أي حريّة نريد؟!
أي نوع من الحرية نريد، وأيها الأكثر أهمية لنا نحن الشباب ومتى نشعر أن حريتنا مقيدة، أليس إطلاق عنانها يزيد من احتمالات انزلاق الشباب في انحرافات متعددة، رغم أن الحرية حاجة فطرية لزمت الإنسان منذ ولادته، قوامها الاستقرار والتوازن النفسي والفيزيولوجي.
الكثير من الشباب يرى أن مفهوم الحرية متلازم بين جميع الفعاليات والعلاقات الإنسانية، وأي خلل في واحدة منها يعطي انعكاساً سلبياً على الجوانب الأخرى منها، فلا يمكن أن أدعي أنني حرً سياسياً في حين هناك وجود كبت اجتماعي في المجتمع، أو أدعي أنني حر في تصرفاتي الاجتماعية وأنا جائع غير متوازن اقتصادياً، وبعضهم الأخر يرى أن حريته تكمن في التعبير عما يجيش في باله من أفكار ورؤى وتصورات مهما كان لونها سواء مناسبة للواقع المعاش أم غير مناسبة ليثبت للمحيط الاجتماعي أنه حر ومستقل بأفكاره إلا أنهم يصدموا بتأفف المجتمع وبمن ينصّبون أنفسهم أوصياء عليهم، وكأنهم يريدون من الشاب صورة مصغرة عنهم أو بالأصح صورة فوتوغرافية هذا يجوز وذاك لا يجوز أسلوب قمعي يقوض حرية الشباب ويدفعهم إلى التمرد، ويكون الثمن إما الغربة وإما خسارة من يحبون.
أن الحرية من أهم الأهداف التي تسعى إليها الشعوب وتقدم أبناءها قرابين لأجل الحرية، وبالتالي حرية المجتمع من حرية أبنائه، لكن للحرية أطراً محددة يجب ألّا يخرج عنها الفرد بحيث لا تؤدي لإيذاء الآخرين كالحرية الفردية حالياً، هناك العديد من معارفي وأصدقائي يتحدثون عن الحرية بشكل مغاير لمفهومها ويحاولون إقناعي برأيهم لنعيش الحياة كطائر مغرد بجناحيه في الفضاء ونتلذذ بمتاع الدنيا، دون رقيب أو حسيب، سايرتهم وبعد زمن ليس بعيد أغروني وانغمست حتى كدت لا أعرف نفسي، بعدها استيقظت من هذا السبات وعدت إلى وضعي الطبيعي ممتعضاً من سلوكياتهم، وقلت لهم حريتي تختلف عن حريتكم.
قلة ممن التقيتهم يؤمنون بممارسة حريتهم منسجمة مع طقوس المجتمع، نيرمين تفهم الحرية أنها حرية داخلية وفكرية نتمكن من خلالها من التعبير عن طموحات لتطوير الذات بعيداً عن تلك الترهات التي ترى أن التحرر جسدي، هذا الأمر ما هو إلّا ورطة لشبابنا، وبالأخص للفتاة كونها في مجتمع شرقي يعاني من ذكورة مفرطة، ولا يزال يحاسب على أدق التفصيل في حياتها، تلك هي المشكلة لكن التحرر منها لا يكون بتحديها فردياً، بل من خلال خلق تراكم ووعي جماعي تدريجي يغير من ذهنية المجتمع، بحيث يمكنه أن يعيش تغيراً جمعياً بدلاً من الفردي، وطالما يعيش الشباب ضمن المجتمع فتحررهم لا يكون بتحديه بل بتغييره باستخدام مختلف الأساليب التوعوية.
مهما يكن من أمر لكل منا حريته والتي تتفاوت ما بين شخص وآخر عمادها الأساسي الاكتفاء الذاتي اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً، إضافة إلى القدرات المعرفية والتطلعات العقلانية للشاب في كيفية ممارستها وتجسيدها والعبرة تكون في النهاية أي بالنتائج التي حققناها، ومدى الاستفادة منها في خدمة مجتمعنا وقضايانا، بكل الأحوال لا يفترض بنا فهم الحرية بالشكل العبثي كي لا تتحول إلى حالة غير مجدية وتكون مضيعة لوقت ثمين من حياتنا بلا طائل.